كتاب “أن تكتب لتنقذ حياة” للكاتب الأمريكي جون إدغار وايدمان يعد من الأعمال الأدبية العميقة التي تستكشف قوة الكتابة كوسيلة لفهم الذات وتغيير الحياة. عبر سيرته الذاتية وتجارب حياته، يعرض وايدمان كيف يمكن للكلمات أن تكون وسيلة للنجاة من اليأس والاضطراب الداخلي، إذ تتجاوز حكاياته مجرد السرد لتلامس موضوعات أكبر تتعلق بالعنف العنصري والمعاناة الإنسانية وذكريات الماضي القاسية. يبدأ الكتاب من لحظات طفولية عذبة تمزج بين الطمأنينة والفزع، حيث يستعيد وايدمان تفاصيل دقيقة عن شوارع “هوموود” وحكايات العائلة وجده الذي كان يعتبره رمزا للقوة والثبات. يصف الكاتب كيف أثرت شخصيات مثل كليمنت، الرجل الذي يحمل جراح المجتمع ويجر آثار الظلم والتمييز، في نفسه وهو طفل صغير، وكيف ارتبطت هذه الصورة الطفولية بحادثة عنف مروعة فيما بعد. يشير وايدمان إلى صورة إيميت تيل، الفتى الأسود الذي قتل بوحشية في 1955. ويرى الكاتب في تيل رمزاً لكل من قُتل ظلماً، وكيف يمكن أن تؤدي العنصرية والتعصب إلى مأساة إنسانية. هذه الحادثة تُظهر بوضوح الانقسام العنصري الذي عاشه المجتمع الأمريكي وتأثيره القوي على وعيه الذاتي. يسرد وايدمان مشاهد القسوة والتشوه التي تحملها صورة تيل، ويبين كيف بقيت هذه الصورة محفورة في ذاكرته كحقيقة لا تُنسى، تذكره دائماً بأن الهدوء الذي يظنه الناس حولهم يمكن أن يتلاشى فجأةً بوحشية. يتميز الكتاب بأسلوبه السردي القوي، حيث تتداخل الحكايات الشخصية مع مشاهد من التاريخ الأمريكي المعاصر، ويبرز فيه الحس الإنساني العميق لوايدمان، الذي يتنقل بين نيويورك وفرنسا محاولاً اكتشاف ذاته واستعادة علاقته بالمجتمع الأمريكي. جوائز وتقديرات: يعتبر وايدمان أحد أبرز الأدباء في أدب الأقلية الأمريكية من أصول أفريقية، وحاز على زمالة ماك آرثر وجائزة فوكنر للرواية مرتين، بالإضافة إلى وصوله للمرحلة النهائية من جائزة الكتاب الوطني. هذا الكتاب هو مثال قوي على تأثير الكتابة في الحياة وقدرتها على تغيير رؤية الإنسان للعالم من حوله. أن تكتب لتنقذ حياة هو دعوة إلى استخدام الكتابة كأداة للتصالح مع الماضي، وإعادة تعريف الحاضر، وبناء مستقبل خالٍ من قيود المعاناة القديمة.